محمد فوزي يكتب: كورونا وتصويب المسار

لا خلاف على أن كورونا يعتبر من أخطر الكوارث التي نزلت بالبشرية في العقود الأخيرة، خصوصا وأنه لم يفرق بين أحد من البشر، فلم يفرق بين الحاكم والمحكوم، أو بين المؤيد أو المعارض، أو بين الدول الديمقراطية والدول غير الديمقراطية، أو بين المسلم أو غير المسلم، فالكل أمام الوباء متساوون.
لكن بالرغم من كم الهلع والخوف والخطورة التي سببها الوباء وبالرغم من كم التداعيات السلبية التي ترتبت وستترتب عليه إلا أن هذه الأزمة لا يجب أن تنقضي وتمر هكذا دونما أي تغيير أو دون توظيف حقيقي لها للقضاء على أزمات أخرى وأفكار سلبية كثيرة، خصوصا فيما يتعلق بمواطن الخلل الفكري والاهتراء المجتمعي الذي عكسته وسلطت الأزمة الضوء عليه.
الحقيقة أن هنالك أزمة كبيرة لدى المجتمعات العربية والإسلامية عكستها أزمة كورونا، هذه الأزمة وتجلياتها وأشكالها المختلفة تدخل في إطار مفهوم العنصرية وكذلك التدين المغلوط الذي بات من أكثر ما يؤرق مجتمعنا ويزيد مساحة الكراهية والعنصرية به، ففي الوقت الذي هدد فيه كورونا كل الانسانية ولم يستثن ديانة معينة او فئة معينة نجد الأئمة وقطاع عريض من المجتمعات المسلمة تدعو بشفاء مرضى المسلمين، وأن يحفظ الله المسلمين من شر هذا الوباء دون غيرهم من الناس، وموقف المهندس نجيب ساويرس مع الداعية السعودي عائض القرني خير مثال على هذه العنصرية البغيضة، ففي خضم الأزمة وفي ظل انشغال كل العالم بفيروس كورونا غرد الداعية السعودي تغريدة دعا الله فيها أن يشفي مرضى المسلمين، فجاء رد المهندس نجيب ساويرس بأن طالب الداعية السعودي بأن يشتمل دعائه المسيحيين حتى لا يصيبيهم المرض ومن ثم ينتقل الى المسلمين، وهي سخرية لاذعة من المهندس نجيب ولكن دلالاتها قوية وهي في محلها، فمثل هذه الممارسات والتي تدخل في إطار العنصرية لا أظن أنها تمت لأي من الديانات السماوية بصلة وهي منقطعة الصلة بمفاهيم الرحمة والتعايش والمودة التي حملها الإسلام في مقاصده، والحقيقة أن المجتمعات بعيدا عن محاولة معالجة أزماتها الفكرية المختلفة إلا أن الأزمة وما حملته من تداعيات كارثية على كل البشرية بمختلف مكوناتها، أظن أنها تحمل رسالة لمجتمعاتنا مفادها ضرورة عمل مراجعة صادقة تعالج هذه الإشكاليات التدينية التي تضفو على السطح بشدة في أوقات الأزمات، ومواطن الخلل لديهم، وتؤكد لهم أن الله رب لكل البشر، وأن قدسية الدعاء والمنطلق الذي يتعاطون به مع الأزمة “المنطلق الديني” وكذلك مقاصد الشرائع السماوية بما فيها الإسلام لا تستقيم وهذه المظاهر العنصرية المقيتة.
الحقيقة أنني لا أناقش هنا فكرة الدعاء في ذاتها وموقعها في الأزمة التي نعيشها، ولا العلاقة الملتبسة بين الدين والعلم الطبيعي، والتصورات المغلوطة في هذا السياق، ولكن الإشكالية الرئيسية التي أرى ضرورة تسليط الضوء عليها هي أزمة العقل العربي والمسلم، التي عكستها هذه الأزمة بوضوح، ومحاولة رصد أهم مظاهر هذه الأزمة بكل شفافية ووضوح والتعاون بين الجهات المختلفة لمحاولة التعاطي معها ووضع مشروع قومي يستهدف معالجتها، وذلك في ضوء كون البناء السفلي أو المجتمع هو القاطرة التي تنطلق منها أي مساعي أو توجهات إصلاحية وتنموية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *