مي عزام تكتب: رهانات المستقبل

(1)

فجأة توقفت عقارب الساعة الخارجية..

لم يعد أمامك إلا ساعات عمرك لتضبط عليها إيقاع الحياة..

البرامج تتبدل.. البرامج تختفي.. البرامج تصبح هباءً منثورًا..

العادات.. العادات.. التي تكونت عبر أيام وليالٍ تتلاشى في منطقة العزل الرمادية.. تبيت غريبة.. وتصبح مذعورة من فزع ساعات العمر الممتد الذي لا نعرف فيما ننفقه بعد أن توقفت عقارب الساعة الخارجية.

في غياب البرامج واختفاء العادات قسريًا، يصبح الاختيار أصعب قرار إنساني، فهو مأساة عبيد البرامج والعادات.

(2)

في لحظات فيها القليل من التأمل والكثير من الهواجس، فكرت في أنه ربما تكون جائحة كورونا بروفة أولية للمستقبل المجهول، الذي شاهدنا سيناريوهات كثيرة عنه في أفلام عالمية وكتابات أدبية، سيناريوهات عصر الأتمتة والمصفوفة وسيادة الروبوت وذعر الإنسان، حين يصبح الذكاء الاصطناعي بديلاً عن معظم وظائف الإنسان، استخدام الروبوت سيكون أكثر أمانًا وكمالاً، الآلة بلا طلبات أو عواطف، لن تشكو من كثرة العمل وانخفاض الراتب، لن تمر بتجربة حب فاشلة ولن تعيش لحظة مخاض مؤلمة، وكلها مميزات بالنسبة لرجال المال والأعمال، أعداد هائلة من البشر ستبقى في منازلها بلا عمل، سيفقدون وظائفهم أمام منافس لا ينافس، ماذا سيتبقى للبشر؟

إما أن يكونوا أربابًا أو عبيدًا.

(3)

ماذا سيتبقى للبشر؟

إنه سؤال المستقبل الذي لم نستعد له، وجاءت كورونا لتفاجئنا به.

الحياة التي نعرفها واعتدنا عليها، عشناها وعاشتنا، ستنقلب رأسا على عقب، سؤال المستقبل لا يشغلنا، فاللحظة الآنية تنهكنا وتتركنا كالنفايات الملقاة في الخرابات لتتعفن في مكانها، ماذا نقول حول المستقبل، ليس لدينا من يحدثنا عنه، ليس لدينا من نستمع إليه من أمثال البروفيسور «كريستوفر بيساريدس»، الحائزعلى جائزة نوبل في الاقتصاد، الذي وقف منذ عدة سنوات في منتدى دافوس، ليقدم  تصوره لما يجب أن يكون عليه الحال مستقبلاً، قائلاً: “نحن بحاجة إلى وضع نظام اقتصادي جديد لإعادة توزيع الثروة والدخل، سياسات جديدة من شأنها جعل إعادة التوزيع لصالح أولئك الذين تركهم السوق وراءه، مفهوم الدخل الأساسي هي إحدى تلك الطرق التي أحبذها، طالما أننا نعرف كيفية تطبيقها، الكثير من المهام البشرية قريبًا ستكون آلية، مما سيسمح لنا بأن نركز على تطوير مهام أخرى، البشر يمكنهم العمل فقط لأنهم يستمتعون بذلك، وليس لأنهم بحاجة إلى كسب مبلغ محدد من الدخل من أجل البقاء».

المقصود بالدخل الأساسي هنا، مبلغ ثابت يُمنح لجميع المواطنين، بصرف النظر عن وضعهم الوظيفي، كحل محتمل للمشاكل التي ستنشأ نتيجة التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي وأتمتة الأعمال والاستغناء عن العمالة البشرية، ولقد تحدث عنه الرئيس الأمريكي السابق أوباما، وصرح في أحد حواراته الصحفية بأنه سيدخل حيز النقاش في دوائر صنع القرار في أمريكا. هذا الموضوع  بالطبع لن يشغلنا في مصر، ولن نناقشه الآن أو بعد حين، لكنه جزء من التفكير فى المستقبل، والتفكير المستقبلي ليس رفاهية، إنه فرض عين.

(4)

التفكير في التحول إلى الأتمتة والتوسع في استخدام العملات الرقمية والتطبيقات الذكية لا يشغل بالنا، لا العامة ولا النخبة، لا الحاكم ولا المحكوم، رغم أنه سيؤدي إلى تغيرات جذرية في حياتنا، كثيرون منا سيشعرون بالعزلة وكأننا في حظر تجوال دائم، هل سنكتفي بالاختباء وراء شاشات الكمبيوتر والهواتف الذكية معتقدين أن المستخدمين في مقام المصنعين وأن من يشترى كمن يخترع، هل سنقبل الحياة في العالم الافتراضي وغيرنا يعيدون رسم العالم الواقعي، ماذا سنكون في عالم الغد؟ أجراء أم شركاء؟ كورونا فرصة فريدة لنعيد التفكير في حياتنا ومستقبلنا.. ولنتخيل معًا كيف ستكون مصر في 2050، الخيال دائما بداية تغيير الواقع.