كتبت- ريهام سالم
مثل غيره من الشباب حاول أنس عمر البحث عن فرصة عمل أفضل ، وتحسين دخله المادى من أجل عيشة كريمة ، سافر إلى السعودية عام ٢٠٠٥ واشتغل معلما داخل أحد المدارس بمدينة مكة المكرمة ، وأثبت كفاءته وتدرج فى الوظائف هناك حتى وصل إلى وكيل المدرسة.
١٥ عاما كاملة قضاها أنس فى غربته، استغنى فيها عن دفئ أسرته ولمة العيلة، حُرم فيها من مشاركة زوجته نجاح أطفالهم فى الدراسة، عام وراء عام مضت عليه قضاها وحيّدا على أمل اللقاء والعودة إلى مصر خلال شهور الاجازة المدرسية، إلا أنه لم يكن يعلم أن قرار عودته بات معلقا بالقضاء على فيروس “كورونا” بعدما أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، تعليق حركة الطيران في كافة المطارات المصرية، لحين إشعار آخر ، لاحتواء انتشار احتواء فيروس كورونا .
يقول أنس: “مزيج من الاغتراب والإحباط والندم، هو شعور أي شاب في بداية حياته، قرر الرحيل عن وطنه لتحقيق فكل ما كان يحلم به سواء ماديا أو أدبيا ، فيدور في تِرس أكل العيش ويصبح هدفه الأول هو كيفية الحصول على القدر الكافي من المال الذي يعينه على الحياة بطريقة آدمية”.
أنس عمر
أصدر العاهل السعودي مرسوما ملكيا بنقل جميع طلاب وطالبات التعليم العام للصفوف الدراسية التى تلى صفوفهم الحالية، الأمر الذى أحدث بلبلة وضغط نفسى على أنس وغيره من المعلمين بالمملكة السعودية، خاصة فى ظل تزايد أعداد المصابين بكورونا، وقال: “يصل متوسط حالات الإصابة بكورونا يوميا ما يقرب من ٤٠٠ شخص ، من بينهم ١٠٠ مصاب بمكة المكرمة ، وبعد اعلان المرسوم الملكى بنجاح جميع الطلبة ونقلهم للصفوف الدراسية التى تلى صفوفهم الحالية ، لم يعد بقاؤنا داخل المملكة له أهمية ، فالحياة هنا متوقفة تماما خاصة بعد فرض حظر التجوال الكامل ، وغير مسموح لنا بالخروج إلا لشراء الدواء من الصيدليات أو شراء مستلزمات البقالة ، واعتمادنا كان بشكل أساسى على المطاعم إلا أنه تم إغلاق جميع المطاعم بالمملكة ، ولا يوجد أى مجال لكسر حظر التجوال بأى شكل من الأشكال ، ومن يخترق الحظر يدفع ١٠ آلاف ريال سواء كان مواطن سعودى أو وافد”.
انتشار فيروس كورونا داخل المملكة العربية السعودية ، دفع السفارة والخارجية المصرية إلى غلق أبوابهما إلى أجل غير معلوم، وأصبح التواصل عبر جروب”الواتس اب” فقط ، من خلال الابلاغ عن وقوع حالات وفاة أو الطوارئ فقط لا غير.
” اللى بيموت هنا غير مسموح بنقل جثمانه إلى مصر حتى إذا لم تكن أسباب الوفاة كورونا” .. هذا ما أكده أنس عمر ، واستشهد بوفاة أحد أقاربه فى مدينة الرياض ، ويُدعى طاهر أبو اليزيد ٣٢ عاما ، وحرم والداه من وداعه أو نقل جثمانه إلى مصر.
وقال أنس :” أخشى أن أعيش وحيدا وأموت وحيدا بعيدا عن مصر ، وأحرم من دفنى فى مصر ، وأصبحت أمنيتى الوحيدة العودة إلى بلدى ، وليس لدى مانع من الحجر الصحى فى الخيام فى مصر ، لأى فترة زمنية للتأكد من عدم إصابتى بكورونا ، فأنا أعيش أيام سوداء ولم أستطيع النوم أو التواصل مع عائلتى فى مصر حتى لا يشعروا بالإحساس القاسى الذى أشعر به”.
وأبدى وائل يوسف المسلوت، معلم وأحد المصريين العالقين فى السعودية، تخوفه من المجهول على حد وصفه، لأنه لا أحد يدرى متى تنتهى أزمة فيروس كورونا وتعود الحياة إلى طبيعتها مرة أخرى ، وقال :” أصبح الخوف يلازمنا طول الوقت ، فنحن نقيم فى مدينة مكة المكرمة الأكثر انتشارا للفيروس ، ونعاني معاناة شديدة بسبب الحظر الكامل ، ولا تتواصل معنا الخارجية أو السفارة وكأننا وقعنا من حساباتهم رغم أن جميع دول العالم فتحت ذراعيها أمام عودة رعاياها”.
وائل يوسف
وانتقد وائل “تباطؤ” الدولة على حد وصفه ، في اتخاذ قراراتها في عودة المصريين من الخارج ، وقال :” بعد أكثر من شهر أعلنت وزيرة الهجرة الدكتورة نبيلة مكرم ، بعد اجتماع رئاسة مجلس الوزارة ، قرار عودة العالقين في الخارج وهم أصحاب الزيارات والتأشيرات السياحية والتجارة والمؤتمرات والرحلات العلاجية وذكرت عددهم ٣٤٧٨ وهذا عدد قليل جداً ، ولم تذكر المقيمين بالمملكة والذين أتوا من أجل لقمة العيش ، ولم يعد يمتلكوا قوت يومهم وهناك في ميناء ضبا مئات من المصريين العالقين بيناموا في الصحراء لا عارفين يروحوا مصر ولا عارفين يرجعوا تاني”.
وتساءل وائل قائلا : إلى متى سيظل هناك تعتيم من جانب وزارة الهجرة ؟ ولماذا لم يتم عمل جدول زمنى حتى الآن يعلن عن خطة زمنية محددة بشأن العالقين فى الخارج ؟.
وناشد وائل الحكومة المصرية بإعادتهم إلى مصر ، وتوفير حجر صحى داخل كل محافظة للعائدين بالخارج ، من خلال مبانى المدن الجامعية وبيوت الشباب والمدارس ، حتى لا تكون عبئا على الدولة ، وقتل :” مر أكثر من ٤٠ يوم ونحن نعيش فى حظر داخل مساكنا هنا بالمملكة ، وانتهت الدراسة ونعود العودة إلى مصر للاطمئنان على أطفالنا ، ونحن على استعداد تحمل مصاريف العودة والحجر الصحى على أن توفر لنا الدولة مكان العزل ، والرحلة اللي تظهر فيها حالات اشتباه او أعراض تدخل الحجر الصحي فور الوصول وفق ما تراه الدولة ، أنا عارف أن الموضوع صعب والأعداد كبيرة ولكن ثقتنا فى الدولة كبيرة ، وأتمنى النظر في الموضوع بجدية وأن تدخل الحكومة لانهاء كافة مشاكلنا”.
الحياة فى الغربة والحرمان من عائلتى الصغيرة احساس لا يمكن وصفه “.. بهذه الكلمات وصف عبد المنعم منصور ، معلم وأحد المصريين العالقين بالسعودية ، وقال:” لم أقضى أحلى أيامى حياتى مع بناتى الثلاثة ، ولم أرى خطوات طفلتى الصغيرة وهى تخطو خطواتها الأولى ، وأعيش هنا فى حالة من القلق على أمى المسنة بسبب الانتشار السريع للفيروس ، وخطورته على كبار السن وكنت أحسب الأيام المتبقية لنزولى إلى مصر ولم أكن أتوقع أن حلم السفر للعمل فى الخارج سأدفع فاتورته غاليا وهو حرمانى من عائلتى”.
عبدالمنعم منصور
اعتاد عبدالمنعم حجز تذكرة عودته إلى مصر قبل نهاية الموسم الدراسى بشعر كامل ، إلا أن لم يعد يعلم ميعاد عودته بعدما أعلنت شركة الطيران السعودي إلغاء حجز جميع رحلات الطيران لحين إشعار آخر .
وأكد عبد المنعم اتخاذ وزارة الصحة السعودية إجراءات احترازية مشددة بخصوص فيروس كورونا ، حيث أنها تأخذ عينات بشكل دورى من المواطنين السعوديين والوافدين ، وتعلن عن أرقام الإصابات بشكل دقيق ، ولا تسمح لأى كفيل بوضع الوافدين داخل أماكن ضيقة لا تتناسب مع أعدادهم فى محاولة لمنع انتشار العدوى.
وطالب عبدالمنعم الحكومة المصرية بإرسال طائرة للمصريين العالقين بأقصى سرعة، لأن مكة المكرمة سجلت أعلى الإصابات بكورونا حسب احصائيات وزارة الصحة السعودية، إذا كانت الدولة حريصة بالفعل على رعاياها، وضرورة طرح كافة الحلول لعودة جميع المغتربين لأننا نخشى أن نعيش غُرباء فى حياتنا ونموت وندفن خارج وطننا .