فى موسم حصاده.. “الذهب الأصفر” تحت حصار التجار وكورونا

كتبت – ريهام سالم
قبل موسم جنى القمح بأيام اعتاد أحمد موسى، المزارع بمحافظة الشرقية، المرور على بيوت عمال اليومية للاتفاق معهم على حصاد المحصول والتنويه في مسجد القرية، إلا أن حظر التجوال الذى فرضه الحكومة لمنع انتشار فيروس كورونا أجبره على جمع المحصول فى الساعات الأولى من الصباح وتحت أشعة الشمس الحارة.
يحل علينا هذه الأيام موسم حصاد القمح، أو كما يُطلقون عليه “الذهب الأصفر”، وسط ظروف مختلفة بسبب كورونا وامتناع عدد كبير من الفلاحين زراعة القمح بعد تراجع دور الحكومة فى تقديم الدعم لهم، الأمر الذى أدى إلى تقلص مساحات القمح المزروعة عاماً بعد آخر، لتتحول مصر من مخزن لغلال أوروبا والشرق إلى أكبر دولة مستوردة للقمح .
خشونة الأرض الزراعية لم تُجبره على ارتداء خُفين في قدميه، فتراه يتنقل بين أرضه الزراعية وسط أعواد القمح حافى القدمين، يتفحص سنابله خشية إصابتها بالحشائش العريضة، التي تنتشر بسرعة البرق بين الزرع، فتنخفض إنتاجية محصوله التي سهر عليها طوال ما يقرب من 6 أشهر كاملة، تنقل فيها أحمد عبدالعاطى، المزارع بمحافظة بنى سويف، بين الجمعية الزراعية والسوق السوداء لشراء شكائر الأسمدة والتقاوى.
قال عبدالعاطى: “الفلاح المصرى محروم من الدعم البسيط الذي يحتاجه، فالحكومة لا توفر لنا الأسمدة الكافية أو المبيدات الصالحة، ومنذ اليوم الأول لزرع القمح في منتصف شهر نوفمبر، لم يمر علينا مهندس زراعى من الوحدة الزراعية للنصيحة والإرشاد، فغاب دور مديرية الزراعة، وفى نهاية موسم الحصاد نقع فريسة للتاجر الذي يمتص دم الفلاحين، رغم أن مهمته الوحيدة أن يكون حلقة وصل بين الحكومة والفلاحين لشراء المحصول”.
” الفلاح بيشيل همّ زرع المحصول.. وهمّ حصاده.. وزاد من الأمر صعوبة انتشار فيروس كورونا “.. بهذه الكلمات وصف أحمد زكريا ، أحد المزارعين بمحافظة الشرقية ، حال المزارعين فى مصر ، وقال :” المزارع في الدول المتقدمة تقدم له الحكومة المساعدة والدعم لأنه العمود الفقرى للدولة، لكن في مصر الفلاح يتعب ويشقى، وفى موسم الحصاد ميلاقيش أبسط حقوقه اللى المفروض الحكومة تقدمها له، وهى الميكنة الزراعية لحصاد القمح، وبتجبرنى الحكومة على تأجير العمالة اليومية، وأدفع لها من عرقى آلاف الجنيهات، الفدان الواحد حصاده بالميكنة لا يستغرق ساعتين، ولكن بالعمالة اليدوية يستغرق يومين وثلاثة أيام ، واستغل بعض العمال أزمة كورونا فارتفعت أجرتهم اليومية إلى ١٢٠ جنيه فى اليوم الواحد بدلا من ١٠٠ جنيه فى العام الماضى”.
شهد عام 2019، استيراد نحو 13.020 مليون طن من القمح مقابل 12.410 مليون طن بزيادة قدرها 609.2 ألف طن بنسبة زيادة 5% عن العام الماضى وبنسبة زيادة 12% عن متوسط الأربعة أعوام الماضية، ووزع إجمالى الواردات بين القطاع العام ممثلاً فى هيئة السلع التموينية بنحو 7.021 مليون طن بنسبة 54% من إجمالى واردات مصر من القمح وهى نفس النسبة العام السابق، فيما استورد القطاع الخاص من القمح نحو 5.998 مليون طن بنسبة زيادة 6% مقابل العام السابق، وبنسبة زيادة 7% عن متوسط الأربعة أعوام الماضية، وتجاوزت قيمة واردات القمح 3 مليار دولار على صعيد القطاعين العام والخاص.
فيما تم زراعة ما يقرب من 3.42 مليون فدان من القمح بزيادة 120 ألف فدان عن العام الماضى، وهو ما أدى إلى إنتاج ما يقرب من 8 مليون طن، وكان من المفترض أن تنتج تلك المساحة المنزرعة نحو 8.3 مليون طن، ولكن -بحسب تقرير لشركة أسواق- تسبب مرض الصدأ الأصفر الذى أصاب الكثير من مناطق زراعة القمح ما أدى إلى تراجع الإنتاج.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد فى رسالة مطمأنة إنه لا توجد مشكلة في مخزون القمح الاستراتيجي، وإن مصر على استعداد للإنفاق إذا اقتضت الضرورة من أجل الحفاظ عليه ، قائلا :”لو الأمر محتاج تعاقدات أغلى أو تعاقدات أكبر فسنفعل”.

وفي هذا السياق، تقدم المهندس أكمل قرطام، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المحافظين، بطلب إحاطة إلى الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، موجه إلى السيد القصير، وزير الزراعة وإستصلاح الأراضي، والدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، بشأن الإجراءات التى يجب أن تتخذها الحكومة قبل توريد محصول القمح ، في ظل تحديد البنوك صرف مبلغ عشرة آلاف جنيه نقدا فقط في اليوم، رغم طلب المزارعين ثمن أسعار محاصيلهم نقدا، مما أضر بالفلاحين نتيجة ارتفاع تكاليف الزراعة مما سيؤدي إلى احجامهم عن زراعتها مستقبلا.

وأكد المهندس أكمل قرطام في طلب الإحاطة أن الزراعة في مصر لها تأثير وأهمية كبيرة في الاقتصاد المصري وتساهم في تحقيق الأمن الغذائي والقومي لكونها مصدراً أساسياً للغذاء.

وأضاف قرطام أن السياسة الزراعية تعاني في الآونة الأخيرة من تخبط وترهل، ترك آثاره السلبية على المحاصيل من ناحية وعلى أسعار الحاصلات الزراعية من ناحية أخرى، وذلك في ظل الأزمة التي يشهدها العالم بسبب فيروس كورونا (كوفيد19).

فيما بدأ مزارعو المنيا فى حصاد محصول القمح ، حيث تزرع محافظة المنيا، 249 ألف فدان ، بينما وصلت مساحة القمح المزروعة هذا العام بمحافظة الشرقية 417 ألف فدان حسب تصريحات المهندس علاء عفيفي وكيل وزارة الزراعة بالمحافظة .
لا تتوقف معاناة المزارعين عند ارتفاع قيمة ايجار فدان الأرض والأسمدة والمبيدات ، بل امتدت إلى زيادة تكلفة زراعة فدان الأرض نتيجة ارتفاع أسعار المواد البترولية ومستلزمات الإنتاج والأيدى العاملة بصورة ‎لا تتناسب مع أسعار المحاصيل الزراعية الاستراتيجية التى تحددها الحكومة.

تراكم شكائر القمح أمام منازل المزارعين مشهد لا يغيب كل عام ، ينظر إليها المزارع يوميا بعين الحسرة ، فهو محصوله الذى استدان من أجل زراعته ، ويصبح المحصول تحت رحمة تجار القطاع الخاص الذين يتحكمون وحدهم فى تحديد سعره بعيدا عن شون بنك الائتمان الزراعى .
قال أحمد أمين ، أحد المزارعين: “الفلاح لا يمتلك آلية تسويق القمح وتسليمه لشركات المطاحن خارج محافظته ، خاصة أن هذا الأمر يتطلب مبالغ طائلة للنقل دون وجود ضمانات لاستلام المحصول أو عدمه ، وفى حالة تأخير الشوم استلام المحصول لأنها أصبحت ممتلئة نضطر إلى الانتظار رغما عنا رغم تعرض محصولنا للتلف فى حالة هجوم القوارض عليه المنتشرة بشوارع القرى”.
تباعد المسافات بين منازل الفلاحين وشون بنك التنمية والائتمان الزراعى، قد تصل أحيانا إلى ١٠٠ كم تقريبا، من الصعوبات التى تواجه الفلاحين فى تسويق محصولهم ، وطالب عدد من المزارعين بضرورة إيجاد حلول عاجلة واستثنائية لإنقاذ مزارعي القمح.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *