هناك من يشتري ديون الدول الصغيرة بفائدة مرعبة، ويطلق عليهم shark loan، وتلك الكائنات المتوحشة لا ترحم، إذ ربما يكون دينك مليون جنيه بفائدة ٣%، يستحق الدفع حالا، ويفاوضك المرابي الدولي على شراء الدين مع منحك تسهيل في مدة الدفع ولكن بفائدة ١٥%، ليس هذا فحسب وإنما مع قبولك زيادة أصل الدين من مليون إلى مليون ونصف.
ولأن ذلك قد يكون أسهل من الإفلاس، فإنك توافق صاغرًا على تلك الصفقة الظالمة.
وهؤلاء الـ”sharks loans” مثل أسماك القرش يسبحون في المياه العميقة في انتظار الفريسة التي تقع بسهولة بين أنيابهم ، وفي الغالب يطلبون ضمانات كبيرة، قد تصل إلى أثاث بيتك وملابسك الداخلية، بل وربما شرفك.
المرابي الدولي يراقبك حين تقترض لأول مرة، وله أساليب ملتوية كي يدفعك لمزيد من الاقتراض حتي تتورط تمامًا، ثم يظهر في اللحظة المناسبة كفاعل خير وكأنه ينقذك من فضيحة، والحقيقة أنه في تلك اللحظة يغتصب شرفك.
ومن أشهر قصص الاقتراض التاريخية، تحتل قصة الخديو إسماعيل رأس القائمة. كان يريد أن تصبح القاهرة مثل باريس، فأمعن في الاقتراض، ثم بدأ يبيع في أصول الدولة، ومنها نصيبنا في قناة السويس، وترتب على ذلك تشكيل لجنة الدين الأجنبية للإشراف على ميزانية مصر ضمانًا لسداد الديون، وفي النهاية ضاع شرف الوطن كله بالاحتلال البريطاني الذي كان من أهدافه “ضمان سداد الديون المصرية “.
هناك من يدافع عن الخديو إسماعيل الذي أشرف علي بناء الأوبرا (التي احترقت فيما بعد)، وأعد احتفالاً أسطوريًا لافتتاح قناة السويس.. إلخ، وكل ذلك بالاقتراض من الخارج، وفرض الجباية على الفلاحين المصريين.
لقد دفعت مصر استقلالها وظلت تحت الاحتلال البريطاني لمدة جاوزت سبعين عامًا، كي يستمتع إسماعيل وأصدقاؤه بأوبرا عايدة التي صممها “فردي” خصيصًا له، ولقد عاش الخديو واستمتع بأبهة الحكم، ثم مات في المنفي دون أن يدرك حجم المصيبة التي تركها خلفه.
أسماك القرش المتوحشة تدور حول إنسان العالم المطحون في كل مكان، كي ترتشف ما قد يتبقي من عرقه ودمائه، والوكلاء المحليون يوقعون صكوك الذل والخديعة وهم يتبادلون الأنخاب في كؤوس أترعت بدماء تلك الشعوب المغلوبة على أمرها.
ولا بد من ملاحظة العلاقة الوثيقة التي تربط بين هؤلاء المرابين الدوليين، وبين مؤسسات الإقراض الدولية التي تعبر في النهاية عن مصالح كبار المساهمين فيها، وهي الدول الكبري التي ينتمي إليها هؤلاء المرابون.
وتبدأ في الغالب متوالية التقهقر، عندما تضطر أن تقترض لسداد فوائد ديون سابقة، ثم هكذا دواليك، تحيط بك دوامات القروض وحينها تظهر القروش وقد فغرت فكها كي تلتهمك، وتقضي عليك، فيصبح كل ما تزرعه أو تصنعه أو تملكه ملكًا لهم، ويصير حالك مجرد عبد ذليل يكدح كي يربح المرابي ويلقي له بعض الفتات التي يزعمون أنها “مساعدات اقتصادية” وهي في حقيقتها مجرد “حبوب تقوية” تساعد العبد كي يظل قادرًا على العمل في مزرعة السيد المرابي الكبير.