بعد عام على الإطاحة بحكم “البشير”.. أين وصل السودان؟

عضو هيئة محاميّ دارفور: مطالب الثورة لم تتحقق.. ولا عودة للوراء

خبير في الشأن الأفريقي: الحكومة تتبنى سياسات “براجماتية” إقليميًا ودوليًا

 

كتب – محمد فوزي

 

 

مرت، منذ أيام، الذكرى الأولى لإزاحة عمر البشير والتيار الإسلامي من سدة الحكم بالسودان، إثر الاحتجاجات التي خرجت في كافة أنحاء البلاد فيما عرف بـ”ثورة ديسمبر”، الثورة التي جسدتها احتجاجات بدأت في ديسمبر 2018 وانتهت بالإطاحة بحكم استمر 30 عامًا، خلف ركامًا من الفساد والاستبداد والآثار الكارثية التي يعاني منها السودانيون حتى اليوم، وأفضى إلى مسار سياسي عسير، انتهى إلى تشكيل مجلس “عسكري – مدني” مشترك يقود البلاد في مرحلة انتقالية، لمدة 3 سنوات.

 

مطالب لم تتحقق

 

وفي هذا السياق، أشار عبد الرحمن جاسم، عضو هيئة محاميّ دارفور، والناشط السوداني، في تصريحات خاصة لـ”المحافظين”، إلى أنه رغم مرور عام على الإطاحة بحكم “البشير”، إلا أن مطالب الثورة لم تتحقق بالكامل، الأمر الذي أرجعه إلى عوامل كثيرة تعود إلى الميراث الذي خلفه النظام السابق، وطبيعة المجلس الذي يقود المرحلة الانتقالية، حيث لم يكن أمام قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، وفق رأيه، إلا القبول بـ”الحكومة الهجين” التي تضم عسكريين ومدنيين.

 

عبد الرحمن جاسم
عبد الرحمن جاسم

وشكك “الجاسم” في قدرة المجلس الانتقالي على تحقيق مطالب الثورة، فبالإضافة إلى التركة الثقيلة لنظام “البشير” والأزمات الاقتصادية التي تعيشها البلاد، هناك إشكالية أخرى ترتبط بكون قيادات عسكرية في المجلس الانتقالي جزء من نظام “البشير” وكانت مقربة جدا منه، بل واستعان بهم في محاربة الحركات المعارضة والثورية في دارفور، وهي المعطيات التي تدفع باتجاه التشكيك في نواياهم، على حد تعبيره.

وأضاف: “بالرغم من المعطيات السابقة، إلا أن الأمور في السودان لن تعود إلى ما كانت عليه، ومن يسعى إلى ذلك يكون قد فقد رشده، فجسد الثورة لازال قويًا، وهو مستعد لوأد أي محاولات تسعى إلى إعادة البلاد إلى الوراء، متسلحين في ذلك بكافة الآليات التي تساعد على التقدم لتحقيق مطالب الثورة، وإنهاء محاولات الردة عنها”.

وأشار إلى ضرورة إيجاد آلية للعدالة الانتقالية، باعتبارها المخرج الوحيد والأمثل من الأزمة، خصوصًا في ظل انتشار بقايا نظام “البشير” في مواضع مختلفة من مراكز صنع القرار في البلاد.

واختتم حديثه قائلاً: “الطريق شائك، لكن بالرغم من ذلك لن تتحقق أمنية فلول وبقايا النظام القديم الذين يسعون إلى إعادة الأمور لما كانت عليه قبل الثورة، ولن تفلح خططهم التي تقوم على التنسيق مع جهات إقليمية بما يساعد في إعادة الإسلاميين إلى الحكم، وتنفيذ انقلاب على الثورة”.

 

توازن “إقليمي – دولي”

 

وعند سؤاله عن مآلات الوضع في السودان بعد عام من إزاحة “البشير”، خصوصًا فيما يتعلق بملف السياسة الخارجية، قال الدكتور محمد عبد الكريم، خبير الشأن الأفريقي بمعهد الدراسات المستقبلية ببيروت، في تصريحات خاصة لـ”المحافظين”، إن السودان يخطو خطوات خطوات كبيرة في مجال سياساته الخارجية نحو تحقيق قدر أكبر من التوازن بين المحاور الإقليمية والدولية، وتكريس مبدأ المصالح المشتركة بشكل دولي، تعزيزًا لصورة الدولة السودانية وتجاوزًا للصورة السلبية التي رسخها حكم عمر البشير، كدولة ذات مواقف انتقائية وبالغة المراوغة في كافة ملفات السياسة الخارجية.

الدكتور محمد عبد الكريم
الدكتور محمد عبد الكريم

وأضاف: “يمكن تلمس خطوات السودان الكبيرة على عدة مستويات، فعلى مستوى العلاقات الثنائية مع دول الجوار، بدأ السودان في تمتين هذه العلاقات من منطلق براجماتي صريح، لا سيما مع مصر وإريتريا، والتأكيد على أهمية دور السودان كدولة، وليس كقيادة منفردة كما كان الحال في عهد البشير، الأمر الذي بدا جليًا في خطاب الخرطوم المتوازن تجاه القاهرة (بدلًا من تبني خطاب متطرف سواء بشكل تهديد، أو بشكل انصياع كامل في مراحل دقيقة لمقاربة القاهرة)، وربما تمثل سياسة السودان في ليبيا بعد تقارير الأمم المتحدة التي تدين قوات الدعم السريع وتدخلها في الأحداث الأخيرة، محكًا حقيقيًا وآنيًا لهذه الفرضية، وكذلك المحاولة الدؤوبة من القيادات العسكرية والمدنية السودانية لحلحلة المشاكل العميقة مع إريتريا (حليفة القاهرة الأهم في القرن الأفريقي وحوض النيل)”.

وأشار “عبد الكريم” إلى أن الخرطوم تحاول تعميق صلاتها التحالفية “المؤسسية” مع جارتها الأهم إثيوبيا، التي تعتبرها الخرطوم “النموذج المثالي” الذي يجب أن يسير عليه السودان مستقبلًا على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك في اقتفاء نفس سياساتها الإقليمية التي نجحت نسبيًا في احتواء التناقضات الإقليمية، دون أن يغيب عن الأذهان حقيقة أن إثيوبيا ظلت الداعم الأكبر للعملية السياسية والقيادة الحالية للمرحلة الانتقالية، وكذلك صاحبة التأثير الذي لا يضاهي بين كافة مكونات هذه العملية، سواء بين التيارات المدنية أم العسكرية المسلحة، وصولًا إلى الدعم الإثيوبي لوصول عبد الله حمدوك لرئاسة الهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد” كأول شخص “غير إثيوبي” يتقلد هذا المنصب منذ نحو عشرة أعوام.

وأوضح أن مسألة رفع اسم السودان من قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب، على قمة أجندة سياساته الخارجية، وسبق أن أكد مسؤولون أمريكيون في تسريبات غير علنية، أن العلاقة بين السلطات المدنية والقوات المسلحة، التي ترأس مجلس السيادة، محل قلق من قبل واشنطن.

ويتمثل أحد المخاوف في دور قوات الدعم السريع، وكانت جماعات حقوقية قد اتهمت الدعم السريع، التي تم استيعابها داخل الجيش مؤخرًا بشكل بالغ التعجل ودون أطر مؤسسية مضبوطة، بقيادة الهجوم الوحشي على الاعتصام المناوئ للحكومة في الخرطوم في 3 يونيو، الذي أسفر عن مقتل 120 متظاهرًا.

وأضاف بالقول: “السودان على ما يبدو أمامه مسار طويل قبل رفع اسمه من القائمة، في ضوء كم المطالب التي لازالت تنتظرها واشنطن من الخرطوم، خصوصًا في ظل مخاوف الولايات المتحدة من إمكانية إقدام الجيش على إعادة بسط سيطرته بمجرد رفع العقوبات، وأن واشنطن تريد توضيحات بشأن الأمن وجهاز المخابرات بعد الإصلاحات الأخيرة، وما إذا كانت هذه الأجهزة الاستخباراتية خاضعة تمامًا لسيطرة الحكومة المدنية، إضافة إلى أوضاع عدد من الإرهابيين الدوليين وجماعات المتمردين من الدول المجاورة، الذين يستخدم أغلبهم الصحراء الواسعة غير الخاضعة لسيطرة قوية من البحر الأحمر إلى ليبيا، كملجأ آمن.

واختتم “عبد الكريم” حديثه قائلا: “تظل أمام السودان فرص محدودة للغاية لإعادة إنتاج سياسات خارجية متوازنة بشكل حقيقي، لاسيما أن صلات حكومة حمدوك بإثيوبيا وتبنيه كافة توجهاتها في السياسة الخارجية، تعزز الكثير من علامات الاستفهام بخصوص هذه الفرص، عوضًا عن ما يبدو من تجميد ملف رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مع اقتراب نهاية فترة إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *