لأول مرة بسبب كورونا.. “موائد الرحمن” تغيب عن رمضان

كتبت – ريهام سالم

مع اقتراب شهر رمضان الكريم كان يتسابق أحمد جاد، مع غيره من كبار العائلات بمركز طوخ بمحافظة القليوبية، على إعداد موائد الرحمن لتسع أكبر عدد من الصائمين، فينالون رضا الخالق ومحبة الخلق، مستحضرين بركة الشهر الكريم، ويجتمع على طعام واحد “الفقير واليتيم وعابرو السبيل” في حضرة الرحمن.

وتعددت الروايات بشأن أول من ابتكر فكرة موائد الرحمن، حيث قيل إن “الليث ابن سعد” الفقيه والمحدث وإمام أهل مصر في زمانه أقام مائدة رحمن، قدم فيها أشهى الأكلات، وخصوصا الهريسة التي عرفت وقته باسم “هريسة الليث”، فيما أكدت أحاديث أخرى أن الأمير أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية، أول من أعد مائدة للإفطار في السنة الرابعة من ولايته وكان يخطب فيهم ويقول: «إني جامعكم حول تلك الأسمطة لأعلمكم طريق البر بالناس»، وكان «المعز لدين الله»، الفاطمي، يخرج من قصره أطباقا كثيرة، بها ألوان وأشكال من الأكل توزع على المحتاجين.

وكان الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان في عهد الفاطميين يطلقون على مائدة الرحمن سماط الخليفة، فيما يوفر القائمون على قصر الخليفة الفاطمي مخزوناً كبيراً من السكر والدقيق لصناعة حلوى رمضان، مثل الكنافة والقطايف وغيرها.
وكانت «دار الفطرة» تعد الكعك وما شابه لتوزيعه في رمضان والعيد، وتعد بالقناطير لتوزع على جموع المصريين في القاهرة، وكانت القاهرة في ذلك الوقت مدينة خاصة للخليفة وخاصته وفرق الجيش.

وكان الخليفة الفاطمي يحضر السماط الرسمي بنفسه، في قاعة الذهب بالقصر الشرقي الكبير في ليالي رمضان، وفي العيدين والمولد النبوي وخمسة موالد، وهي مولد سيدنا الحسين والسيدة فاطمة والإمام علي والحسن والإمام الحاضر، بالإضافة إلى سماط الحزن في يوم عاشوراء.

“خادم ضيوف الرحمن” اسم أطلقه أبناء قرية ” أجهور” الكبرى على الحاج أحمد سعيد، الذي كان ينتظر قدوم شهر رمضان من كل عام وتراه ينطلق بخفة رغم سنوات عمره الستين، وسط مجموعة من الشباب، على طريق «القاهرة – الإسكندرية الزراعي»، حاملا في يده «جردل» ممتلئا بأكياس البلح والمياه ومشروب التمر الهندي، واليد الأخرى يلوح بها لإيقاف السيارات التى تسير بأقصى سرعتها، ليتكدس الطريق بالسيارات، لا يخشى الوقوف في عرض الطريق السريع لإلقاء أكياس البلح على سيارات النقل والملاكي والميكروباص.

قرار الحكومة بإلغاء موائد الرحمن منعا لانتشار فيروس كورونا، جعل الحاج أحمد يفكر في بدائل أخرى لمساعدة الفقراء خلال أيام الشهر الفضيل، وقال :” يعتقد البعض أن إفطار الصائمين يتوقف على التكلفة المادية فقط، وفي الحقيقة هو يحتاج إلى تنظيم، والذي ربما تكون مشقته أكثر من توفير المقابل المادي، وبعد قرار منع موائد الرحمن قررنا تقسيم أنفسنا إلى فرق، فريق جهز كشوفات بأسماء فقراء القرية وأحدنا اشترى البلح وياميش رمضان، وآخر يقوم بتعبئته وفريق ثالث يجهز وجبات الإفطار، أما الفريق الأخير عليه توزيع الوجبات قبل موعد آذان المغرب بساعة وبذلك نوصل إلى أكبر عدد من الصائمين وحتى ندخل البهجة على قلوب المحتاجين”.

«فعل الخير لا يقترن بالفقير أو الغني» هذا ما أكده الحاج مسعد جابر، صاحب مائدة الرحمن، الذي كان يستعد قبل شهر رمضان بأسبوع كامل، مع مجموعة من رفاقه بتحضير احتياجات إفطار الصائمين.

وأضاف: “عدم تنظيم موائد الرحمن هذا العام لن تنسينا دورنا في مساعدة أهالينا من المحتاجين، فنحن استعددنا مثل كل عام بتجهيز اللحوم وأعددنا وجبات مثل التي نقدمها في رمضان، وقمنا بالإعلان من خلال مسجد القرية عن استقبال الفقراء والمساكين من القرى التابعة لمركز طوخ، ونوزع عليهم طعامهم داخل أوانٍ للإفطار مع أسرهم، وهو الأمر الذي سيعوضهم عن غياب موائد الرحمن وهي عادة جميلة ارتبطنا بها من سنين، ولن نتوقف عنها حتى الممات ».

ومع انطلاق آذان المغرب كان الطريق الزراعي يتحول إلى جراج مفتوح، وخلية نحل بين الشباب المتطوعين لإفطار المارة الصائمين، ولو بشق تمرة، تتفاوت أعمار المتطوعين، يتنافسون جميعا في إفطار أكبر عدد من الصائمين، مشهد قد لا نراه هذا العام بسبب انتشار فيروس كورونا إلا أن الجميع يأمل أن يعود من جديد.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *