مي عزام تكتب: فصادروا السماء!

إنه الموعد الأسبوعي للمقال، لا بد أن أكتب، لأن للكتابة موعدا، ماذا أكتب وقد مسحت كورونا خطط العالم وخططي الخاصة؟ من شهور وضعت خطة للسفر وخطة لتغيير مكان السكن وخطة لتعلم المونتاج و… و… عشرات الخطط، بالتأكيد لم أكن سأنفذها كلها، لكن كنت سأنفذ واحدة أو اثنتين لأضعهما في سجل الإنجازات.
الإنسان مغرم بالإنجازات، يعتبر أن حياته بدون سجل إنجازات ستصبح عبثًا لا جدوى منها، مغرمون بنقش إنجازاتنا على حجر شواهد قبورنا كما فعل أجدادنا من قبل، ليأتي من بعدنا من يقول: يا للهول ما كل هذه الإنجازات الملهمة! كثير من الإنجازات شغلتنا عن معنى الحياة، قدمنا إنجازات يصعب حصرها بين دفتي كتاب ولم نزرع فكرة تظلل علينا وتحمينا في هجير الأزمات.
(2)
موعد المقال أزف، ساعة واحدة باقية قبل أن تبتلع المطبعة الكلمات لتتقيؤها سوادا على ورق، مساحات السواد تمتد لتسد الأفق ومساحات البياض تتلاشى من طوفان الكلمات، ولا أحد ينتبه أن أمير الظلام قد عاد لينتقم، ليحصد أرواح ورودنا :شاب يقتل في التحرير، شاب يقتل في عملية إرهابية، شاب يموت في محبسه، شاب يموت في حادث سيارة، شاب يموت من فيروس كورونا، شاب يموت لأن وزارة الخارجية رفضت تعيينه، شاب يموت لأن حبيبته تركته وحيدًا… ما أظلم أمير الظلام! ينتقي الشباب ويترك الشيوخ والعجائز يبكون من الرضا، مازالوا على قيد الحياة رغم كل الأمراض التي يعانون منها، أي حياة في بلد العجائز… وكأنها حياة!
(3)
حان الوقت، لكني مازلت أحلم، هل يمكن أن تتركونى أكمل حلمي؟ لا تخرجوني منه، سأدونه لكم بالأسود، يمكنكم أن تفسروه كما تريدون، حلمت بأنني أقف على حافة الهاوية، وأمير الظلام يطلب مني وهو شاهر سيفه أن ألقي كل من أعرفه إلى الجحيم واحدًا واحدًا، وإلا سيغمس سيفه في دمي ويكتب به نهايتي.
في هدوء غيرت وجهتي، جعلت الهاوية خلفي وأغمضت عيني، وحبست أنفاسي، ألقيت رأسى إلى الخلف… رأسي ثقيل وجسدي خفيف، أهوى إلى الأسفل بسرعة… رغم رعبي اختلست النظر، رأيتني محاطة بسحاب أبيض من كل جانب… حملتني سحابة وكأنها حاشية من ريش النعام… كل من أعرفهم كانوا فى انتظاري، طلبوا مني أن اكتب كلمة في سجل الزائرين، كنت أحفظها: في المخاطرة نجاة.
(4)
حان موعد المقال، لا أريده أن يكون كلامًا ممطوطًا مثل العجين، أريده مختصرًا مفيدًا وخالدًا، أريد أن أكتب رباعيات مثل جاهين، تنتهى بالبكاء لا بالعجب، أريد أن يرسمها آدم حنين، ينحت رسما لدمعتي الحجرية، ويحفظ السطور في سفينته الحجرية، سأكون هناك أقضم أبياتًا من الكعكة الحجرية، وأتحدث مع ابن نوح، أناشده النجاة، ولكنه يأبى ويصرخ فى الفراغ:
لنا المجدُ- نحنُ الذينَ وقَفْنا/ (وقد طَمسَ اللهُ أسماءنا!)/ نتحدى الدَّمارَ
ونأوي الى جبلِ لا يموت/(يسمونَه الشَّعب!)/ نأبي الفرارَ/ ونأبي النُزوحْ!
(5)
اليوم… موعد مقالي، واليوم الأحد 3 مايو: اليوم العالمي لحرية الصحافة، اليوم نكتب، ونكتب، ونكتب: “على سحابة كتبت، فلتسقط الرقابة، فصادروا السماء”…

[email protected]

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *