على الرغم من كونه أمرًا مشينًا، فإن الكشف عن أن دونالد ترامب سعى للحصول على مساعدة سرية لإعادة انتخابه من الرئيس الصيني، شي جين بينج، لا ينبغي أن يفاجئ كل من علم بأمور مثل التحقيق في التدخل الأوكراني أو قضية عزل ترامب، أو تقرير “مولر” بشأن الجهود الروسية للتدخل في حملة ترامب لعام 2016.
لقد كان من الواضح منذ فترة طويلة أن هذا الرئيس الأمريكي- منعدم الضمير- مستعد للتقرب من أي شخص تقريبًا، مهما كان غير مقبول، وعقد أي اتفاق، مهما كان غامضًا، وأن يقول أي كذبة، مهما كانت صارخة، للفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض.
لن يخجل “ترامب” من رواية جون بولتون عن كيفية تلاعبه بالسياسة الخارجية الأمريكية، وتخريبها لتحقيق أغراضه الخاصة، بل سيمضي في الاتجاه ذاته قبل انتخابات نوفمبر، والتي يخشى خسارتها بشدة، لأسباب وجيهة عدة.
يكشف كتاب بولتون، وهو مستشار الأمن القومي السابق لترامب، عن سلوك الرئيس غير الأخلاقي وغير القانوني الذي يصل إلى حد الخيانة، إضافة إلى تكرار خرقه للقانون، وعرقلة سير العدالة. كان المثال الأبرز لنهج ترامب في التعامل مع العلاقات الدولية، من أجل خدمة نفسه وأهدافه الشخصية، هو محاولته “المحرجة” لجذب ديكتاتور كوريا الشمالية، كيم جونج أون.
تجاهل ترامب كل الخبراء (بمن فيهم بولتون)، وتصور أن صفقاته يمكن أن تقنع كيم بالتخلي عن الأسلحة النووية، فبرز ذلك من خلال عقد قمتين “تاريخيتين” بينهما، الأمر الذي ضاعف مكاسب كيم من خلال تقليل حدة العقوبات الدولية على نظام بيونج يانج، واستئناف سياسة الترهيب لجارتها الجنوبية، وانتهى الأمر، الأسبوع الماضي، بإقدام الديكتاتور الكوري الشمالي على تفجير مكتب اتصال مع كوريا الجنوبية على الحدود.
كما أن جهود ترامب الرامية إلى تصوير نفسه على أنه صانع سلام يستحق جائزة نوبل- إضافة إلى استحقاقه أصوات الناخبين بالطبع- تُثير أزمات كبرى في إسرائيل وفلسطين، حيث اتخذ بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتشدد، من “خطة السلام” السخيفة التي وضعها ترامب، ضوءًا أخضر لضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية بشكل غير قانوني، ويمكن بالفعل أن يبدأ الاستيلاء على الأراضي في أقرب وقت، إذا كان من الممكن استرضاء المنتقدين في الداخل، وإبعاد عرب الخليج عن الأزمة.
ويأمل ترامب إثارة إعجاب الناخبين المسيحيين الإنجيليين واليهود الأمريكيين، من خلال بيع الفلسطينيين، والثمن المتوقع هو تدمير الحل العادل والمعقول، القائم على حل الدولتين، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتفاضة فلسطينية جديدة.
وعلى صعيد آخر في الشرق الأوسط، سيعى ترامب لدفن الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015، وإعادة فرض حظر دولي على تصدير الأسلحة إلى طهران، يريد ترامب أن يكون قادرًا على إخبار الناخبين بأنه أنهى خطورة إيران، بينما الواقع أن خططه دفعت إيران إلى إحياء الأنشطة ذات الصلة بالمجال النووي، بالإضافة إلى دعمه للنظام السعودي المناوئ لإيران، ودفع المنطقة إلى حافة الحرب، ولا يمكن أستبعد حدوث استفزاز عسكري أمريكي لإيران في الاشهر المقبلة.
وبعد أن دمر ترامب السياسة الغربية في سوريا، من خلال سحب القوات الأمريكية بشكل غير مباشر، وتسليم النصر الاستراتيجي إلى روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، فإن ترامب عازم على تنفيذ نفس “الخدعة” في أفغانستان، حتى يتمكن من إخبار الناخبين بأنه أنهى أطول حرب في أمريكا.
وكانت محاولة ترامب الكارثية لعقد قمة سرية مع طالبان، في كامب ديفيد، نقطة أخرى في هذه الملحمة الشنيعة من الخيانة. ماذا عن التضحيات التي قدمتها القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي منذ عام 2001؟ ماذا عن المعاناة الرهيبة للشعب الأفغاني وعشرات الآلاف الذين ماتوا وهم يعتقدون أن أمريكا تتعهد ببناء مجتمع أكثر أمانًا وأكثر عدلا؟
إن ترامب “المراوغ” يقاتل من أجل الأصوات، وليس من أجل الديمقراطية. إن عدائه الواضح لحلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي والأوروبيين يشير بشكل عام إلى أزمة وشيكة بين القوى الغربية، فالمرشح ترامب لا مشلكة لديه في تشويه سمعة حلفاء أمريكا والامم المتحدة، إذا كان هذا الأمر سيفيده انتخابيًا، كما أن خطة ترامب الجديدة لسحب القوات الأمريكية من ألمانيا، وموقفه المتملق من بوتين، يزيدان من الشكوك في أن مصالح أوروبا سوف يتم تجاهلها في خطط ترامب المستقبلية.
التوجه الرئيسي الذي يظهره ترامب من أجل إعادة انتخابه، يتركز على الصين، وجهوده الكبيرة لإلقاء اللوم على بكين بشأن التسبب في تفشي وباء “كورونا” والتستر عليه، فمهاجمة الصين قد تفيده في الهروب من اللوم الذي سيُلقى عليه لعدم كفاءته في التعامل الأزمة ببلاده، كما قد يدفع أوروبا إلى أن تأخذ جانبه، والأهم من ذلك كله، أنه يريد تعريف جو بايدن، منافسه الديمقراطي، على أنه داعم للعدو الجديد: بكين.
وإذا أراد ترامب خوض معركة حقيقية مع الصين، فهناك الكثير من الذرائع التي يمكنه التشدق بها لتحقيق هذا الهدف، كالأزمات التجارية، وقضية تايوان، وبحر الصين الجنوبي، وهونج كونج، وأزمة شركة “هواوي”، وحقوق الإنسان، والهجمات الإلكترونية، وغيرها، وبالنسبة لترامب، قد يخدم صراع قصير الأجل مع الصين أغراضه بشكل جيد، لضمان إعادة انتخابه.
ألا يرى ترامب التناقض الواضح في الادعاء بأنه حاول فتح صفحة جديدة مع الصين في يوم من الأيام، ثم محاولة تصوير بكين على أنها “بعبع أمريكا الجديد” في اليوم التالي؟ هل يهتم بالعواقب المحتملة؟ أو ما يفكر به العالم؟ أو ما يقوله الدستور؟
الإجابة لا، كل ما يهم ترامب هو مصلحة ترامب وحده، وفوزه في الانتخابات المقبلة.
نقلا عن “الجارديان” بتصرّف
ترجمة: مصطفى إبراهيم