في إحدى التجارب البحثية جاءوا بفيش ” قواشيط ” متعددة الألوان، وجعلوا لكل لون قيمة نقدية، فعلى سبيل المثال جعلوا قيمة القشاط الأبيض مائة دولار والأخضر خمسمائة، والأصفر الف دولار، واعتبروا مجموع قيمة الفيش هو الثروة المتاحة للاعبين والتي يتم تقسيمها عليهم بالتساوي من حيث القيمة وليس من حيث العدد أو الألوان، فقد يأخذ أحد المتدربين عشرة قواشيط بيضاء، بينما يأخذ الأخر مقابلها واحدا أخضراً وخمسة من الأبيض، المهم أن الثروة يتم توزيعها بالتساوي، ويعلنون قواعد العامة لإنماء الثروة، مثل أن تتضاعف قيمة الأبيض عشر مرات لكل من اجتمع له مائة منها، وتتضاعف قيمة الأحمر سبع مرات لكل من اجتمع له عشرون منها، قوانين معلنة وثابتة غرضها زيادة الثروة الكلية لمجموع اللاعبين دون تمييز، تبدأ عمليات المقايضة وتنتهي طبقاً لها، بينما يعمل كل واحد منهم على الاستفادة من هذه القواعد في التداول من أجل زيادة ثروته الشخصية، مع انتهاء اليوم الأول تم احتساب ما يملكه كل واحد من الثروة، فكان هناك من أحسن استغلال القواعد فزادت ثروته، ومنهم من خسر نسبياً جزأً منها مع زيادة قيمة الثروة الكلية المتاحة، ثم بدأت المرحلة الثانية والأخيرة من التجربة بتحديد الأوائل اللذين حققوا أكبر ثروة، وتم منحهم السلطة لوضع وتغيير قواعد اللعبة كيفما ووقتما يشاؤون دون مناقشة باقي اللاعبين ودون إلزام بتبرير مع السماح لهم بالمشاركة والتداول لأنماء ثرواتهم الشخصية مثلهم مثل باقي اللاعبين، في نهاية اليوم الثاني والأخير من اللعبة لاحظ القائمون على التجربة أن القواعد تم تغييرها جذرياً لتصب في صالح زيادة ثروات هؤلاء “النخبة” صاحبة “السلطة” ونقص ثروات الغالبية العظمى المشاركة في اللعبة نسبياً.
… انتهت التجربة العملية لتؤكد أن السلطة المطلقة وغياب الشفافية وتضارب المصالح هي أهم أسباب فشل التنمية في الدول الناشئة التي تفتقر إلى المأسسة والديمقراطية، وأن السلب والنهب للاقتصاد العام غالباً ما يتم بواسطة قوانين يحيطها الغموض لا تدرك الشعوب تفاصيلها ولم تشارك نيابياً في وضعها، هذه النتيجة تمثل قاعدة اقتصادية أساسية نصت عليها كل الأدبيات السياسية… صحيح أن لكل قاعدة شواذ، إلا أن الشاذ عن هذه القاعدة دائماً غير مستدام.
المصري اليوم/ هوامش
بتاريخ- 27/4/2009