منذ أن جاءت ثورة ٥٢ وكان قرارها بحل الأحزاب بعد أشهر قليلة، وتحديدا في ١٦ يناير ١٩٥٣ صدر قرار حل الأحزاب، ولم تتبق إلا جماعة الإخوان المسلمين في إشارة واضحة لطريقة تفكير الضباط والتي لم يصدر قرار من مجلس قيادة الثورة بحل الجماعة إلا بعد سنة تقريبا، وتحديدا في ١٤ يناير ١٩٥٤ باعتبار جماعة الإخوان حزبا سياسيا، وبعد محاولة اغتيال عبدالناصر في المنشية .
ومنذ قيام ثورة ٢٣ يوليو والأجهزة في مصر تؤمم الحياة السياسية والحزبية فتقوم هي بذات نفسها بتشكيل الأحزاب أو أشباهها “بداية من هيئة التحرير والاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي” والتي كانت تسيطر على الحياة السياسية منذ قيام الثورة وحتى تكوين المنابر الثلاثة اليمين والوسط واليسار داخل الاتحاد الاشتراكي ذاته في بداية عام ١٩٧٦ .
ومن ثم بداية ظهور التعددية الحزبية بعيدا عن عباءة الإتحاد الإشتراكي مع قانون الأحزاب رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧ .
ومنذ قرار حل الأحزاب والأجهزة تتدخل في كل الإنتخابات وتشكيل الأحزاب، وتقوم الأجهزة بدورها غير الدستوري منذ ذلك الحين في تشكيل الأحزاب وحلها ومحاولات مستمرة ومستميتة للتدخل في شؤنها الداخلية وانتخاباتها واحيانا خطفها، وتحديد قياداتها ومؤشرات ذلك متعددة ومتوالية .
ومنذ أن أنشأ السادات حزب مصر عام ١٩٧٦ وترأسه اللواء ممدوح سالم وقتها، والذي انضم له الغالبية العظمى من قيادات وأعضاء الإتحاد الإشتراكي وبعد عامين فقط أنشأ السادات الحزب الوطني الديمقراطي، وكالعادة غادرت القيادات العليا والوسطى ونواب حزب مصر إلى حزب السلطة الجديد الحزب الوطني والذي تم حله بحكم قضائي بعد ثورة يناير .
واستمر تدخل الأجهزة في الحياة السياسية بتزوير الإنتخابات العامة وتخصيص المقاعد بالأمر المباشر لحزب الحكومة (من هيئة التحرير للحزب الوطني قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١) وكذا بتزوير الاستفتاءات دستورية أو رئاسية أو انتخابات محليات أو شعب وشورى .
وفي مرحلة السادات كان للإخوان وللسلفيين حظوة في العمل العام يقابله تضييق على الأحزاب وخاصة اليسارية، حتى قام السلفيون باغتياله، ليأتي مبارك باجهزته فيمارسون نفس الأسلوب في التدخلات في الأحزاب ومحاولات إدارتها، وكان التضييق على الأحزاب يقابله تفاهمات مع الإخوان والسلفيين وصلت لذروتها في انتخابات ٢٠٠٥ والتي حصل فيها الاخوان على ٨٨ مقعدا، ولولا تدخل الأجهزة ذاتها في ما بعد المرحلة الأولى لحصولوا على اكثر من ذلك بكثير لتركهم يقومون بدور الدولة ودور الأحزاب مع التضييق على الأحزاب وتقاعس الدولة عن دورها .
وكانت ثورة يناير فرصة كبيرة لارساء حياة حزبية حقيقية، تقوم على تداول سلمي للسلطة، ولكن رغبة الدولة العميقة في المرور من الأزمة من ناحية وفشل القوى المدنية المزمن في تنظيم صفوفها، ودخولها انتخابات البرلمان بأكثر من قائمة انتخابية متنافسة، ومقاطعة بعضها للانتخابات والاستفتاءات وتنافس عدد كبير من رموز وأحزاب القوى المدنية على مقعد الرئاسة في المرحلة الأولى جعل القوى الدينية تسيطر على الساحة السياسية بشكل شبه كامل .
وبعد مظاهرات ٣٠ يوتيو ٢٠١٣ وانتهاء حكم الإخوان في ٣ يوليو عادت الأجهزة لتمارس دورها الحزبي والسياسي فتشكل أحزابا (كلها مضافة للوطن وللشعب ) وتتدخل في كل الأحزاب القائمة، وتتعامل وتراقب أحزاب المعارضة وكأنها عدو يجب اختراقه وتجنيد عملاء به 👀 وتشكل المجالس النيابية على أعينها، وتترك أحزابا دينية لتمارس الدعوة والحزبية معا ( في مخالفة دستورية واضحة وتدخل مصر في أزمة سياسية واقتصادية لا يعرف أحد كيف ستنتهي .
فهل آن الأوان ونحن نحتفل بالذكرى السنوية لثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ، ان تعود كل مؤسسة لممارسة دورها وتركز فيه وتعمل عليه وتترك الأحزاب لاصحابها والسياسة للسياسيين، واللي عايز من أجهزة الدولة المشاركة بشكل مباشر في الأحزاب والانتخابات والسياسة يقدم استقالته ويتفضل يشكل حزبًا ويدخل الانتخابات ( نحن لن نخترع العجلة ) .